أخبار اليمنإقتصاديةالرئيسيةعربية ودوليةمال و أعمالمحليات
أخر الأخبار

العقوبات الأمريكية على رجال الأعمال اليمنيين : عندما تتحول السياسة إلى سلاح لتجويع الشعوب

الشاهد برس | عبدالسلام المساجدي.
في زوايا أسواق صنعاء القديمة، حيث كانت رائحة البخور والقهوة تسبق خطوات المارة، أصبح اليوم صمت الجوعى هو الصوت الأعلى، أطفال يتسللون بين أكياس القمامة بحثاً عن بقايا خبز، وأمهات يتبادلن النظرات المثقلة بالعار والوهنَّ يخفين دموعهن أمام صرخات أطفالهن، في هذا المشهد الإنساني الممزق، قررت واشنطن أن تطلق رصاصة أخيرة في جسد اليمن المنهك : عقوبات على رجل الأعمال اليمني علي الهادي، رئيس الغرفة التجارية بأمانة العاصمة، بتهمة دعم “جماعات معادية” لكن أين الأدلة؟ وكيف سينعكس هذا القرار على شعب يئن تحت وطأة أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقاً للأمم المتحدة؟

قرار كيدي يستند إلى مصادر غير محايدة :
إن إدراج رجل أعمال بارز كشخصية اقتصادية قيادية ضمن قائمة العقوبات يجب أن يبنى على أدلة قاطعة لا تقبل التأويل، لا على تقارير إعلامية مصدرها جهات منحازة، مثل وسائل الإعلام التابعة للتحالف العربي أو حكومة الطرف الآخر، هذه الجهات ليست محايدة بطبيعة الحال، بل تحمل أجندات سياسية قد تدفعها إلى التشويه المتعمد لشخصيات اقتصادية فاعلة في مناطق لا تخضع لسيطرتها.. وزارة الخزانة الأمريكية لم تقدم ما يثبت تورط الهادي في أي نشاط غير مشروع، بل اكتفت بالاستناد إلى تقارير إعلامية، مما يجعل القرار يفتقر إلى المصداقية ويدل على التوظيف السياسي للعقوبات الاقتصادية كأداة ضغط في الصراع اليمني. 

من يدفع الثمن؟ الاقتصاد اليمني ..والشعب الجريح: 
اليمن،الذي يعتمد على الاستيراد لتأمين 90% من غذائه، يشهد اليوم انهياراً متسارعاً للعملة المحلية، وارتفاعاً جنونياً في الأسعار، وشحاً في المواد الأساسية وبضربة عقوبات واحدة، ستتفاقم الكارثة،
رجل الأعمال اليمني علي الهادي يعد واحدًا من أكبر مستوردي القمح، الدقيق، السكر، والأرز، وهي مواد أساسية يعتمد عليها ملايين اليمنيين في غذائهم اليومي إذ تستحوذ شركات الهادي على جزء كبير من تدفق المواد الغذائية إلى شمال اليمن، حيث يعيش 80% من السكان وفرض العقوبات عليه يعني إعاقة استيراد هذه السلع وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائي لهذه المناطق ، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار  المواد الغذائية في الأسواق المحلية، فمع كل شحنة قمح مُعلَّقة، سترتفع أسعار الخبز، ولن يعود السكر رفاهية قابلة للشراء، وسيصبح الأرز حلماً وبالتالي تزداد معاناة المواطنين الذين يواجهون كارثة إنسانية هي الأسوء على مستوى العالم.

كما أن هذا القرار يوجّه رسالة سلبية إلى القطاع الخاص في اليمن، مفادها أن أي رجل أعمال يمكن أن يكون عرضة للعقوبات لمجرد وجوده في منطقة معينة، مما قد يدفع كثيرين إلى تقليص أنشطتهم أو التوقف عن الاستيراد والتجارة خشية التعرض لمصير مماثل.  

الأثر الإنساني : تفاقم المجاعة والمعاناة :
في الوقت الذي تُعلن فيه الأمم المتحدة أن 17 مليون يمني على حافة المجاعة، وتناشد العالم توفير 4.3 مليار دولار لإنقاذهم، تختار واشنطن طريقاً آخر: إغلاق الصنبور الأخير للغذاء في هذا البلد المنكوب المفارقة الساخرة أن هذه العقوبات تُبرَّر باسم “حقوق الإنسان” بينما هي نفسها تنتهك أبسط حقوق الشعب اليمني: الحق في الحياة ، ومع ذلك، فإن العقوبات المفروضة على رجال الأعمال الذين يوفّرون الغذاء في السوق المحلية تعني تقليص المعروض من هذه السلع الأساسية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وبالتالي تزايد معدلات الفقر والجوع ، علاوة على ذلك، فإن هذا القرار يمس شريحة واسعة من العاملين في قطاعي التجارة والنقل، حيث أن أي عرقلة لعمليات الاستيراد تعني توقف آلاف فرص العمل، مما يفاقم مستويات الفقر والبطالة، هنا يُكشف التناقض الأخلاقي الامريكي فالعقوبات تُطبَّق بانحياز، والحرب تُدار بمعايير مزدوجة.

ازدواجية المعايير الأمريكية :
من المفارقات أن الولايات المتحدة، التي تدّعي دعمها للجهود الإنسانية في اليمن، تتخذ في الوقت ذاته قرارات تزيد من معاناة الشعب اليمني ، فبينما تتحدث واشنطن عن تقديم المساعدات الإنسانية، تقوم بفرض عقوبات من شأنها إغلاق قنوات الإمداد الغذائي، مما يجعل هذه المساعدات غير كافية لتعويض النقص الناتج عن تعطيل التجارة مما ينذر بحدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة .. إن هذا القرار يكشف عن ازدواجية المعايير الأمريكية، حيث يتم التغاضي عن ممارسات بعض الجهات المتورطة في تأزيم الوضع اليمني، بينما يتم استهداف شخصيات اقتصادية تلعب دورًا محوريًا في تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين. 

ختامًا نجزم قطعًا أن العقوبات على رجل الأعمال اليمني علي الهادي ليست مجرد قرار بيروقراطي، بل هي صفعة جديدة لشعب يُحاصر منذ عشر سنوات بالحرب والقصف والمجاعة هذا الإجراء لا يستهدف فردًا بعينه فحسب، بل يضرب الاقتصاد اليمني في صميمه، ويؤدي إلى زيادة معاناة الملايين من اليمنيين الذين يعتمدون على الاستيراد لتأمين غذائهم، إذا كانت الولايات المتحدة حريصة حقًا على إنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن، فعليها إعادة النظر في سياسات العقوبات العشوائية التي تفاقم الأوضاع الإنسانية بدلًا من تحسينها، ولماذا لا تُخضع أدلتها للتدقيق الدولي بدلاً من الاعتماد على أخبار مُزوَّرة؟ فاليوم، يتساقط اليمنيون موتى جوعاً، بينما تُسرق كرامتهم في ساحات السياسة الدولية، آن الأوان لأن ترفع الشعوب صوتها ضد هذه العقوبات الكيدية، وأن تُذكر واشنطن بأن الجوع جريمة لا تُغتفر، حتى وإنْ لُفَّت برداء القانون الدولي .. إن الحل الحقيقي للأزمة اليمنية لا يكمن في العقوبات الاقتصادية، بل في دعم جهود السلام ورفع القيود التي تعيق الاقتصاد المحلي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى